سهير فهد جرادات
الحكاية بدأت في أيلول عام 2015، إذ عُرضت مسرحية (ألاقي زيّك فين يا علي؟) على مسرح شمس البلد، وتضمن النص المسرحي إساءة لرئيس الوزراء الأردني الراحل الشهيد وصفي التل، والمذهل أن العرض حضره ممثلو الأجهزة الأمنية، وحصل على الموافقات الأمنية الممثلة بمحافظ العاصمة ( حسب قول مالك المسرح)، والمسرحية للكاتبة والممثلة رائدة طه ابنة علي طه ( الذي قُتل في عملية سابينا في اللد عام ١٩٧٢)، والمعروف انه كان عضوا في الجبهة الشعبية، واحد الذين خططوا لعملية خطف الطائرات الى الأردن، وأحد قياديي منظمة ايلول الاسود التي كان لها دور في حرب أيلول، وفي اغتيال البطل وصفي التل.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، حيث تجددت القضية في 27 من شهر آب الماضي عندما اعترض عدد من رواد المطعم على بيع ( عند الكاشيير ) كتاب النص المسرحي (للمسرحية الأكثر جدلا )في المطعم والمقهى ( شمس البلد ) التابع للمسرح والمملوك ( لوزير الصدفة )، الذي يرعى مثل هذه المبادرات تحت عناوين ثقافية، لما يتضمنه هذا الكتاب ( الذي اختفى من المطعم، بحسب تصريحات رئيس هيئة الإعلام !!) من صور لوصية (علي طه ) والموقعة من (مجموعة القدس الانتحارية في نيسان من عام 1972 )، التي نصت حرفيا : (( وبعد قناعه بدأنا نحقق أمنية أكثرية شعبنا في تصفية الذين عاهدوا العدو ان يبقوا مخلصين له.. وولدت منظمة أيلول الأسود التي نفذت حكم الشعب بالخائن وصفي التل )) !!..
تيار “الوصفيون الجدد”، اصدروا بيانا شديد اللهجة، أكدوا فيه أن:” الإساءة لأي رمز اردني إساءة لكل الأردنيين “، فيما جاء رد صاحب ومالك المطعم حازم ملحس ( لوكالة عمون الإخبارية ) وهو وزير سابق بأن تلك المعلومات تعبر عن “الجهل والتسرّع “، وختم” إن ما تم تداوله هو اختراع من كاتب جاهل او مستهزئ بالأجهزة الأمنية والإجراءات المتبعة للمسرحيات، يا عيب عليهم” !!..
للتذكير هذا الوزير ( في حكومة سمير الرفاعي 2010 ) تمادى على الصحفيين وأهانهم وشتمهم في ندوة بالعاصمة الأردنية، ثم اعتذر بعد ان هدد مجلس نقابة الصحفيين الأردنيين ( وكنت حينها احد اعضائه ) بالاحتفاظ بحقة القانوني، وقُبلت استقالة ( وزير البيئة ) من الحكومة بعدها.. لكن للأسف ( مهما أخطأ المسؤول ) لا يتم سحب ( لقب معالي منه)، ويبقى يلازمه ويحتفظ به حتى ( بعد صعود روحه الى بارئها ).. ويجدر الذكر، أن ابنة هذا الوزير ( ممثلة ) وهي بطلة المسلسل الأردني ( جن ) الذي عرض على شبكة ” نتفلكس “، وأثار ضجة وجدل كبيرين، وقد أساءت ( هي أيضا ) لمنتقديها بنعتهم ب ( الفاشلين )!!.. عندما يظن بعضهم أن سقوطهم نجاحا، نكون قد وصلنا الى أدنى مستويات انهيار القيم !!..
ولكون الكتاب ( مدار البحث ) تمت طباعته في (مطبعة كركي / بيروت لصالح دار النشر رمال / قبرص )، فهذا يعني أن الكتاب( غير حاصل على رقم إيداع من المكتبة الوطنية ).
وبالعودة الى (قانون الإعلام المرئي والمسموع )، الذي نصت المادة 8 على ( إجازة المصنفات، سواء المنتجة منها محلياً أو المستوردة من الخارج بهدف التداول ومنح الرخص اللازمة لتداولها ولمحلات عرضها ).. أقر مدير هيئة الإعلام طارق أبو الراغب بأن : ” الكتاب غير مجاز من هيئة الإعلام، وعرضه للبيع في منشأة غير مرخصة لبيع الكتب وهذه مخالفة قانونية أخرى !!..مشيرا الى أن هناك ( إجراءات دورية ) على موقع مسرح ( شمس البلد )، وفي حال تم ضبط الكتاب ( كونه غير مجاز وغير معروض على الهيئة، والمنشأة غير مرخصة للبيع ) سيكون هناك إجراء قانوني، حيث يتم قراءته وفي حال تمت اجازته تعود النسخ الى أصحابها.. واذا لم يُجز يعاد تصديره “..
وسجل الكتاب مدار البحث مخالفة صريحة للمادة السادسة من نظام رقابة المصنفات المرئية والمسموعة لسنة 1998، التي نصت ( صراحة ) على : ” أن تراعى عند إجازة اي مصنف ( عدم المس بالملك والاسرة المالكة، وأن لا يتضمن المصنف مادة مثيرة للفتنة او مروجة للعنصرية او داعية للإقليمية او مسيئة للوحدة الوطنية او لأمن الدولة وسلامتها “.. وهذا ما تضمنه الكتاب حيث مس بالوحدة الوطنية وأثار الإقليمية وعمل على الاخلال بأمن الدولة، كما مس بالملك الحالي والملك الراحل من حيث رعايتهم وإيمانهم (بالسردية الأردنية ) حول دور الشهيد البطل وصفي التل !!..
إن ما ورد في الكتاب، من إساءة للرمز الوطني وصفي التل، هو إساءة لمعتقداتنا وثوابتنا الوطنية، وعلى كل أردني غيور على تاريخ وطنه ورموزه ان يتقدم باعتراض لمحاسبة كل من له يد في عرض هذه المسرحية أو بيع هذا الكتاب المسيء، ويجب على ” الوصفيون الجدد” التقدم بالاعتراض على وردت فيه إساءه للرمز البطل، وتقديم شكوى على المسيء ومطالبته بالتعويض للضرر..
وحتى لو مر أو مُرّر الكتاب فهناك دور أساس للدولة ممثلة في ( هيئة الاعلام المرئي ) لتقوم برد فعل فوري وذاتي فور تداول الخبر عبر وسائل الاعلام بـ( مداهمة ) المطعم المسرح، وإصدار كتاب بسحب الكتاب ( حتى لو انه لم يدخل عبر المنابر الرسمية )، وذلك حفاظا على مبادئ الدولة وثوابتها وهيبتها..
وسيبقى وصفي التل.. الإيقونة والرمز والبطل
كاتبة وصحافية أردنية
Comments